الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=51325









العفو العام: تقويض سلطة القانون وهيبة الدولة

ميادة العسكري 

لم ننس قرار العفو العام، الذي اتخذه صدام حسين، بهدف ارباك المجتمع بإطلاق مجموعة كبيرة من المجرمين المدانين الى الشارع في وقت كان فيه شبح حرب اميركية حاسمة يلوح في افق العراق. لعل صدام كان يرمي الى زرع اركان البيت العراقي بمصائب كامنة، فضلا عن محاولة كسب ود جمهور اوسع الى صفه.

لكن إطلاق كم كبير من مجرمين وقتلة ارهابيين في الشوارع ينطوي على مخاطر اقلها زيادة التوتر والاضطراب، ناهيك عن انعدام الثقة بالقانون وسلطته. فالمدانون المطلق سراحهم لم يخضعوا الى تاهيل واعادة توجيه، بل ان السجون العراقية تزيدهم حقدا وكراهية بسبب المعاملة السيئة والظروف المحتقنة.

سبق لي ان التقيت باحد القادة الاميركان، وكان من الذين اداروا اكبر السجون الاميركية في العراق. اعطاني القائد ملفا قائلا لي: احتفظي به ففيه احصائيات!

كانت الاحصائيات تتحدث عن عدد الذين مُحيت أميتهم، والذين أدخلوا في برامج اعادة تأهيل، والذين ادخلوا في برامج ادارة وتشغيل الكومبيوتر، بل حتى دورات لحفظ القرآن الكريم.

قد لا يكون معقولا التساؤل عما اذا كانت ادارات السجون، وهي الان بيد العراقيين، تواصل البرامج نفسها، ناهيك عن تطويرها. بل ان الرائج في الشارع العراقي ان لغة "الدفاتر" هي المتحكمة في سجون العراق. مقابل مبلغ يخرج مدان الى الشارع، ومقابل مبلغ تهّرب مجموعة مدانين، لعلهم قتلة او عناصر في عصابة سلب او نهب.

مع ارتباك سلطات انفاذ القانون، وتهاون او تعاون، في بعض الحالات، لاخراج او تهريب مدانين، ومع وجود فساد متنوع الاشكال في السجون العراقية، لا يمكن القول ان كل المسجونين ابرياء على الاطلاق، كما لا يمكن القول ببراءتهم على الاطلاق. لكن الامر المؤكد هو ان اغلبيتهم ارتكبوا اعمالا منافية للقانون بل وللاخلاق البشرية احيانا كثيرة. وعلى هذا الاساس، فان اطلاق سراح كل المدانين دفعة واحدة وبلا أي تاهيل اجتماعي واخلاقي لن يكون في صالح المجتمع العراقي ابدا.

فاطلاق سراح ارهابيين ولصوص وقتلة، واسقاط ملاحقة مسؤولين متهمين بالفساد واعمال اجرامية سيثبّت الظن بانعدام وجود قانون، وسيكون ممارسة تتكرر على شكل "مكرمة" بيد أي حكومة قادمة. بمعنى انه سيكون "عرفا" ومبادرة سوء تُقدّم في كل مرة على انها فعل خير، لاسيما ان مجلس النواب السابق ارتكب الخطيئة نفسها بحق هيبة القانون وسلطة الدولة عندما اطلق المئات من المدانين بشتى الجرائم، ثم صار مسؤولون يتحدثون عن عودة كثير منهم الى افعال ابادة ناس بمفخخات او قنابل، او أي افعال اخرى ضد القانون والحياة المجتمعية.

ثم ان عدم ملاحقة المزورين ولصوص المال العام، بموجب قانون العفو العام، لا تعني سوى الامعان بالاستهانة بقيمة العراقيين، الذين يقتلون وتسرق اموالهم كل يوم.

إن مجرد وجود فكرة عفو عام عن مجرمين تبعث برسائل طمأنة لجماعات الارهابيين والقتلة وداعميهم. وهذا لن يكون في صالح السلطة التشريعية ولن يكون بالتأكيد في مصلحة السلطة التنفيذية.

لن يكون العفو العام ايضا في صالح مقام الاجهزة الامنية القانوني بل سيكون مدعاة للاحباط والتهاون في انفاذ القانون، فضلا عن انهيار ما تبقى من ثقة لدى الاجهزة الامنية بقيادات البلد. وهذا لن يكون في صالح أي احد يريد المضي قدما ببناء دولة مستقرة ومجتمع مطمئن.

اما تصريحات المطالبين بالعفو العام ومسانديهم فلا يمكن ان توصف باقل من انها "ضالعة" بطريقة او باخرى بالجريمة. فمن الاجدر بهم ان يبحثوا عن سبل احتضان الضحايا وذويهم والحيلولة دون تفاقم شعورهم بالكراهية، لا مكافأة القتلة والفاسدين. فلا يمكن للعفو عن متسببين بمصائب للعراقيين ان يكون ثمنا نظيفا للفوز بأصوات ناخبين محتملين.

ومن المهم التذكير ان أي قرار او قانون لا بد ان يكون مستندا الى الاوضاع العامة في البلد، واضعا بلا لبس او مواربة مصلحة المجتمع فوقها، كي يكون تشريعا يحظى برضى الجميع، الذين سيتأكد لديهم انهم في دولة عصرية تحفظ كرامتهم وتعنى بحياتهم ومقدراتهم. وبخلاف ذلك، لن يكون هناك شعورا عاما لدى الناس بضرورة اخذ القانون بالحسبان والظن بوجود حكم رشيد من شانه ان يوفر لهم الحماية ويحدد سلوكهم المجتمعي؛ وعندها لن يكون للقانون سلطة ولن تكون الدولة راعية لمصالح شعبها. وسنكون في دوامة فوضى يشرف على ادامتها اناس متهمون بنظافتهم على الدوام، فلا احترام لهم.