خوش مقالة .. لنقراها
يا رب، ريتك جعلتني كرديا
الدكتور محمد جلو
حسنا، أغلبكم يعرف، أنني عراقي
إن قلتُ لكَم، أنني، أيضا، و
في الكثير من الشؤون، أجد نفسي متحيزا، إلى الأكراد
قد تحسب أنني، كردي عراقي لكنني،
في الحقيقة، عربي أبا عن جد ، ومن أبناء الأعظمية
----
لم تبدأ هوايتي للأكراد تلك،
حينما تَخَطَّت كردستان، باقي أنحاء العراق، في تقدمها الحضاري و الإجتماعي، منذ أن
إنزاح عنها، كاهل التسلط العراقي، و تُركوا لوحدهم، ليحكموا أنفسهم
أنا أهوى الأكراد، منذ مدة،
طويلة جدا.. في حياتي كلها، لم أجد كرديا أثيما، أو رديء الطباع
بإستثناء سائق تكسي واحد و حول
ذلك السائق، مقالة طريفة جدا، سأحكيها لكم في فرصة أخرى
----
بعض سواق التكسي، و السياسيين
الأكراد، قد يكونوا سيئي الأخلاق
ليس لكونهم أكرادا بل لكونهم
سائقي تكسي، أو سياسيين فالصفات الرديئة تلك، ليست بسبب كونهم أكرادا، بل على الرغم
من كونهم أكراد فالصنعة، كسائق تكسي، أو سياسي،
تغلب طيبة الأصل الكردي، أحيانا
----
كل الأكراد الذين قد صادفتهم،
في حياتي، عدا ذلك السائق طبعا، كان عالي الأخلاق، و صادق
جميعهم، بلا إستثناء و لم ألتق،
بسياسي كردي، أبدا
----
إن طلبتَ مني، وصف طبع الأكراد،
بكلمة واحدة، ستأتي كلمة الإخلاص، على البال، كل مرة
و لكن، يا للأسف، لا يمكنني،
نعت جميع العراقيين العرب، أبناء جلدتي، الذين عرفتهم، بنفس الشيء
فعدد مؤسف منهم، مخاتل، كذاب،
و مراء و من يعرف، قد يكون فيّ أنا كذلك، بعضٌ من تلك الصفات الأثيمة فأنا عربي، ألستُ كذلك؟
----
قد توافقني، على أن في الكثير
من أبناء جلدتنا العرب، بعض من سؤ الطباع
أما، عن زعمي، بأن جميع الأكراد،
ملائكة فقد لا توافقني على ذلك
ربما تكون أنت، قد إلتقيتَ يوما،
بأكراد، أشرار فمن المنطقي، أن في الناس، و
بإختلاف ملّتهم، خير و شر..حتى الأكراد
الظاهر، أن هؤلاء الأكراد البغيضين،
إن وجدوا، قد نجحوا في تجنب التعامل معي، و مصادفتي، طوال حياتي
----
يحلوا لنا نحن العرب العراقيين،
أن نتشدق بنكات، تُظهِر تفوقنا العقلي، على الكثير من القوميات، التي قد تفوقنا في
بعض الأحيان كالأكراد .. قبل ذلك، أيام الإحتلال
البريطاني، كنا نتشدق بنكاتنا، على الهنود، الذين كانوا يعملون كجنود، و موظفين في
الجيش الإمبراطوري البريطاني
----
هناك نكتة سخيفة، سمعتها في
الستينات، تُرِيكَ عنصرية، و عجرفة بعض العراقيين، و التي هي في غير محلها، طبعا
.. حين زار الرئيس العراقي، عبد السلام عارف، الهند، إشتكى له الرئيس الهندي، جواهر
لال نهرو ، من جعل الهنود أضحوكةً، و مثلاً للغباء، في العراق .. فأعطى عارفٌ نهرو
وعدا، بأنه سيصدر قانونا، لمنع تلك النكت، حال وصوله إلى العراق أوان التوديع، قال
نهرو لعارف هل ستنس طلبي؟
أجاب عارف، لا، طبعا لن أنس،
هل حسبتني هنديا؟ أو بالدارجة: خو مَراح تنسى؟
لا، قابل آني هندي؟
----
و الحقيقة، معروفة
حالنا العراقيون العرب الآن،
بالنسبة إلى الأكراد، و الهنود، قد يدل على العكس من ذلك
الذكاء عند الهنود، أو الأكراد،
لا يقل عن أي قوم آخرين و قد يفوقهم فلقد سمعت
بنفسي، الكثير من النكت على الأكراد، من عراقيين عرب، معروفين بالغباء فقد يفسر بعضهم،
طيبة الكردي المتناهية، و ثقته بالآخرين، بقلة الفطنة و كم هم مخطئون
----
فأصبحت النكات التي تبدأ بعبارة
فد يوم، فد واحد كردي- رياضة قومية، يمارسها
الجميع
----
و ما أثار في نفسي، خليط من
الإعجاب، و الإحراج، هو أنني سمعت بعض من تلك النكت، من أكراد
فها هو جلال الطالباني، يسرد
لنا بنفسه، نكات على نفسه وعلى الأكراد إن
أظهر ذلك لنا شيئا، سيكون الثقة بالنفس لكوني أعرف، أن أذكى شخص عرفته في حياتي، هو
إبن أخيه كوران جمال الطالباني
----
سأَحْكي لكم، عن كوران، و الذي
زاملني، لسنين عديدة
كان كوران، إبن صفي، السادس
الثانوي، في الإعدادية المركزية، في بغداد، عام ١٩٧٠
و إن لم يكن، في نفس الشعبة
وقتها، كان الجميع يعرف، من هو عم كوران و
حاليا، لا زال الجميع يعرف، من هو عم كوران
إسم عم كوران، جلال .. نعم،
عمه، أخ أبيه جمال، هو جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق الحالي
----
إن كنتَ عراقيا، و لم تعرف بأنه
رئيس جمهوريتك، فعليك ترك قرائة هذه المقالة حالا، و التوجه إلى أقرب مركز حكومي، و
الترشيح لتصبح وزيرا، أو مديرا عاما، على الأقل فالجهل المطبق، مطلب مستحب، يؤهلك لمثل
ذلك التعيين بالنسبة لنظام الحكم في العراق، كان عمه جلال، محسوبا على العصاة أحيانا،
و قائدا وطنيا، و حليفا في الجبهة الوطنية، أحيانا أخرى لم يأبه أحد لذلك، فالكل كان
يعرف كوران، الولد الدافىء، الشاطر، اللامع والمسالم قد يبالغ البعض عندما يصف شخصا، بأنه لا يستطيع إيذاء
نملة في كوران، لن تشعر بأن ذلك النعت، مبالَغٌ فيه فالنمل بأمان، مع كوران
----
الكل كان يعرف، أن الأول على
العراق، لتلك السنة، سيكون، كوران لن ينافسه أحد.. كنا نسمع، أن هناك عبقري آخر، في كلية بغداد، المدرسة
الأهلية، العالية المستوى، التي أُسِسَت من قبل قساوسة أمريكان .. لكن شطارة كوران
كانت ساحقة فالكل كان متأكدا، أن كوران، و بالتأكيد، سيحرز أعلى مجموع في إمتحان العراق
الوزاري، ذلك العام و فعلا، أُعلِنت درجات بكلوريا الصف السادس، و كان كوران، الأول
على العراق و لم يتوقف كوران عن تفوقه، فها
هو يتفوق في كلية طب بغداد، و يتخرج عام ١٩٧٧، و هو من الأوائل، و إن لم يكن الأول
حينها و كم غبطت لسماعي عن تفوقه على الجميع، في تخصصه الطبي بعد التخرج
----
بداية عام ١٩٨٠، كنتُ حديثَ
الزواج، فسكنت معي زوجتي، في أحد دور معسكر كركوك وقتها، كنت طبيبا، برتبة ملازم أول،
في مستشفى كركوك العسكري .. كنت مرتديا ملابسي العسكرية، حين ترجلت من سيارة الواز
العسكرية، و توجهت إلى محل بقال كردي، كبير السن ، عندما طلبت منه، كيلوين من الرز، أجابني بعصبية،
و أسلوب شديد الحموضة، أن الحد الأدنى، الذي هو مستعد لبيعه لي، هو عشرون كيلو.. لأن
الربح في الكيلوين قليل جدا لن يستحق عنائه. قال ذلك، و يبدو عليه، الإنزعاج، و الضجر
الشديد
فقلت، حسنا كاكا، أعطني عشرون كيلو،
إذن
هنا، إلتفت الكردي نحوي، و تفحصني
فإستطردتُ قائلا له كاكا، نحن إثنان فقط في البيت، أنا و زوجتي، فقط العشرون كيلو،
قد تكفينا، لمدة ستة أشهرو نحن نحب رزنا، طازجا
و لكن، و إن كنتُ أريد شراء
كيلوين فقط، سأشتري منك العشرين، إن كان لا بد من ذلك
----
فجأة
حدث شيء لم أفهم مغزاه، إلا
بعد حين تغير البقال الكردي، كليا إنقلب إلى شخص، عظيم الأدب
قال لي و الله العظيم، سيدي،
إن أردتَ كيلوين، ستحصل على كيلوين
و وزن كيلوين من الرز لي ثم أعطاني كيسا، من لبن الغنم الرائب، اللذيذ الطعم
قال، هذه هدية منه
و إعتذر بشدة عن رفضه بيعي الكيلوين
ثم أوصل الرز و اللبن، إلى السيارة العسكرية بيده
و رفض أخذ، أي نقود، مني و قال،
إن إحتجت أية سلعة مستقبلا، أنا بالخدمة
----
عدت للبيت بفاه مثغور من العجب
لم أفهم، لم كان الكردي غاضبا رفض طلبي الأول ثم، و بدون سبب، غير رأيه
----
بغتة سقط الفلس في الجرة و فهمت
السبب
----
حينما توقفت سيارتي العسكرية،
أمام محل البقال و توجهتُ قصده أحسبه قد خاطب نفسه قائلا
ها هو ضابط بعثي آخر متوجه نحوي
.. سيكلمني باستعلاء وفظاظة
سيحاول الإستئساد على رتبته
العسكرية و يعاملني بجلف
----
فعندما شرعتُ بطلب الكيلوين،
من الرز
كان البقال، لا زال يغلي متوقعا
الوقاحة الإعتيادية، من ذلك الضابط
----
و لكن، فوجيء البقال، من خلو
رد فعلي، من أية وقاحة بل لم يجد مني، إلا الإحترام، و التقبل، لمشيئته كبائع و لكونه كردي، كان له ضميرا، يؤنبه تألم كثيرا لم
يتوقع تقبلي لنزوته وتأكد ان ليس كل من لبس البزة العسكرية هو بعثي فتغير 180 درجة
----
و لن أنس، ذلك الشيخ الكردي
جيراني في جلولاء
إكتشفت يوما، أنه قد نظف، حديقة
البيت الذي إستأجرت، بينما كنت و زوجتي، في رحلة إلى بغداد
حديقتي، لم تكن صغيرة حوالي ٣٠٠ متر مربع
حراثتها شاقة، و متعبة لن يقو
عليها، حتى إبن العشرين، بسهولة
----
السبب؟ أحبني، جاري الكردي
لأني، و حسب قوله، "طيب"
"طيب"؟
لا أتصور أنني كنت معه طيبا
على غير العادة كل الذي كنت و زوجتي نعمل،
هو التعامل معه، و مع عائلته، بصورة طبيعية قد نطلب منهم بعض السكر، حينما ينفذ سُكَرنا
ثم نجلس معهم الأمسية، و نتسامر
فأسأله عن أيامه الخوالي، حينما كان فلاحا و يسرد لي مصاعبهم، في القرية و حصاد الشعير
و قوافل التهريب مع إيران و رعاية الأغنام، أيام البرد و الصقيع يقول ذلك، و أنا منصت
بتشوق هذا، كل ما في الأمر
----
لم أشعر، أنني كنت بذلك الشخص
الطيب بل كان جاري الكردي، هو مثال الخلق الكريم والطيبة
----
من يعلم، فقد تكون للكردي، قدرة
فطرية، على التمييز بين المخلص في تصرفه، و المرائي إن كان هذا حقا، فما أسهل التعامل
مع الكردي كل ما عليّ عمله، هو التصرف معه بإخلاص و سيكشف الكردي صدقي معه، فورا
----
ألتقي أحيانا، بالأكراد القاطنين
هنا، في إنكلترا و لسبب أجهله، يكون أغلبهم حلاقين كم يؤسفني، أن الجيل الكردي الجديد،
لا يحسن العربية، كثيرا و في نفس الوقت كم يؤسفني، أنني لا أحسن الكردية فنضطر المحادثة، بالإنكليزية .. ليتني أعرف الكردية
----
حين ألتقي بالكردي هنا أرى نفسي،
أندمج معه، فورا فذكاء و طيبة الأكراد، متأصلة، في الدم و أحس بنزاهة و نقاء النفس،
تفوح من ذلك الكردي حتى بعد أن قضى، ٢٠ عاما، خارج كردستان