الأحد، 19 مايو 2013


 
انا أسخر اذن انا موجود
ميادة العسكري
 
لو جاء امامي موضوعان .. احدهما ساخر والاخر رصين .. فمن دون ادنى شك سأختار الساخر لابدأ به القراءة .. لماذا ؟ لان وضعنا في العراق لا يتحمل المزيد من الرصانة والجدية .. فالغيوم في بلدنا تحمل الدموع مكان المطر .. والنهر يجري متسارعا هربا من المشاكل ونحن في خضم كل ذلك من الصابرين .. المنتظرين لابتسامة حتى لو التقطناها من على الورق ..
**
من بين كتاّب السخرية في العالم العربي اليوم .. كاتب ابكتني كلمات عائلته (الزوجة والابناء) في مقدمة كتابه الذي يحمل عنوان (قُصر الكلام) ..هو الراحل جلال عامر رحمه الله الذي كتب
(فى العالم العربى فقط التأمين على الانسان اختيارى و التأمين على السياره اجبارى)
بحثت عن الكتاب في احدى معارض الكتب .. كان المعرض ممتليء بالناس والذين انقضوا على نوعين من الكتب .. القانونية (امر غريب اليس كذلك؟) وكتب السخرية حتى اعتقدت لاول وهلة ان منافذ بيع الكتب المصرية الخاصة بالسخرية توزع حلوى مجانية او شيء من هذا القبيل ..
محمود السعدني توسعت مجموعته ..وباتت كتبه تسد عين الشمس وشبابيك حروب محمد حسنين هيكل وغيره ..
باعة الكتب وضعوا كتب السخرية والقانون في الصدارة لانهم– على حد تعبير احدهم- ليسوا بمثقفين او اصحاب فكر وانما تجار لشيء اسمه الكتاب ..
**
كتاب اخر للكاتبة غادة عبد العال راح يزاحم كتب احلام مستغانمي التي لها سوق واسع بين الشباب وفحوى الكتاب الذي يحمل عنوان (عايزة اتجوز) شاهدناه في احدى الرمضانات السابقة حيث مثلت دور البطلة التي تريد ان تتزوج باي ثمن الممثلة التونسية هند صبري ..
الكتاب يتفوق على المسلسل بجدارة كما هو حال الكثير من الكتب والروايات .. الا ان الجميل في كتاب (عايزة اتجوز) هو ان الكاتبة .... بدأت الكتاب كمدونة وانتشرت شهرة المدونة كالنار في الهشيم لان موضوع تأخر زواج البنات في مصر وسائر الدول العربية بات موضوع يؤرق الاهل والبنات والبنين كلهم "بربطة المعلم" كما يقول اخواننا المصريين..الا اني متيقنة من ان الكتاب نجح ليس بسبب مضمونه الجدي وانما بسبب الطريقة الساخرة التي طرحت فيها الكاتبة فكرتها واللهجة المصرية التي تعلمناها جميعا رغم انوفنا بسبب الافلام والمسلسلات المصرية ..
**
السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي : ان كنا في العراق نبحث عن الابتسامة بين الورق وتحت الرماد ومن بين المفخخات وتداعيات العملية السياسية والانتخابات وتصارع الكتل والمظاهرات وبسبب كل هذه الامور ونتيجة لضغطها على نفسياتنا المتعبة .. فلماذا الاقبال العربي الواسع على كتب السخرية في زمن الانترنت والتواصل الاجتماعي وقرب احتضار الكتاب ككتاب في الجو الالكتروني المحيط به كحزام ناسف؟
**
السّخرية فنٌ اللعب بالكلمات ومباغتة العقل من دون مقدمات .. يحفز فيك الحواس مرة واحدة .. من حيث لا تتوقع ولا تنتظر فيتضارب لديك المفهوم المعقول بغير المعقول وتكر سبحة الضحك
الا ان ابلغ السخرية هي تلك التي تتناول ظروفنا الحياتية والسياسية وتضع فوقها الملح والحامض لتحولها الى موقف نتخذه ازاء ما يحدث ..
ولرب الانتقاد بالسخرية لهو اقوى بكثير من الانتقاد الجاد في استفزاز غضب القاريء ووصوله الى النتيجة المرجوة ..
**
يقول محمود السعدني في كتابه الساخر (ملاعيب الولد الشقي) : ولاني حمقري(مزيج من الحمار –اجلكم الله- والعبقري) فقد كنت اظن ان كل رجل ضاحك هلاس (اي لا يأبه للمشاكل والمصاعب كثيرا) ولاني حمقري كنت ارفع شعارا حمقريا (انا اضحك.. اذن انا سعيد) وبعد فترة طويلة من الزمان اكتشفت ان العكس هو الصحيح .. اكتشفت ان كل رجل ضاحك هو رجل بائس وانه مقابل كل ضحكة على لسانه تقرقع مأساة داخل احشائه
اذن .. السخرية لا تعني بالضرورة الاضحاك من اجل الاضحاك .. بل كثير منها مصوب نحو هدف ايقاظ عقل الناس الذي بات من كثر التشويش عليه كما الساتلايت المشحون بمحطات فضائية من كل حدب وصوب ..
**
اصاب من قال ان السّخرية البعيدةٌ عن التهكم المُبتذل أو الهزل السمج تعطي للمواضيع الصارمة الجادة نكهتها الإنسانية, و لا تحرمها من تهويات التلطيف و كأنها تعيد أكبر القضايا الإنسانية إلى بيئتها الأولى..!! حيث لا يفرض عليها الوقار المشبوه و لا الابتذال الفاضح السخيف..!!
**
اما في القران الكريم .. ولا تستغربوا ابدا .. فالله هو اللطيف الخبير..فقد وردت السخرية بألفاظ مثل الهزء والاستخفاف والسخرية. إلاّ أن القرآن الكريم أضاف إليها من ألوان القوة والجد ماجعلها وسيلة لردع المتجافين عن اتباع الحق والفطرة السليمة ومحاولة الأخذ بأيديهم إلى الصراط السوي.
فها هو العلي القدير يقول : - بشّر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا- آل عمران: 21.والعذاب لا يبشر به. ومنها الاستخفاف بالعقل لردعـه عن الغوايـة كما في قولـه تعالى: -قل تمتـَّـع بكفرك قليلاً إنك من أصحـاب النـَّار- الزمـر : 8. والعاقل صاحب الفطرة السليمة لا يتمتع بشيء يفضي به إلى النـار. ومنها ما يأتي في صورة التهديد بالتهكم كقوله تعالى: -ذُق إنك أنت العزيز الكريم- الدخان: 49.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق