الجمعة، 24 أغسطس 2012







  من وحي حريم السلطان وأحلام الرجل المريض
             ميادة العسكري  
  عندما يعترض شخص على سلوك آخر معه، نقول له: لنقلب الكراسي! ترى هل ستقبل تركيا ان نعاملها مثلما تعامل هي الحكومة المركزية في العراق؟ هل يسمح لـ (س) أو (ص) من المسؤولين العراقيين زيارة "أتراك الجبل"، وهو الاسم التركي لأكراد تركيا بدون موافقة انقرة؟
لنقلب الكراسي ونضع الله نصب أعيننا قبل أن نجيب.
هكذا اذن تنتهك الحرمات بين الجيران، وهكذا على ما يبدو يريدها الاتراك، فلا لبس ولا جدال في انهم ما انفكوا عن اعتبار العراق ولايات ثلاث عثمانية، وسناجق وتبع لامبراطورية ما عادت موجودة الا في اذهانهم. والا فكيف نستطيع ان نفسر طريقة تعامل الحكومة التركية مع العراق منذ سقوط نظام البعث في العراق الى اليوم؟
لا استطيع ان افكر في الاعتراض على كل ما جاء في حديث السيد رئيس وزراء العراق خلال مقابلة تلفزيونية، وانتقاده لتعامل تركيا مع اقليم كردستان العراق على انه "دولة مستقلة"، ولا استطيع الا ان ادعمه عندما ذهب ابعد من ذلك، واتهم تركيا بالتدخل في شؤون العراق الداخلية، وهو محق فيما ذهب اليه.
ولو استدركنا قليلا وفكرنا، لأدركنا أن (لون) التدخل لا يكون الا بطيف الالوان التركية هذا!
إنهم يدكون قرانا الحدودية بالطائرات والمدفعية الثقيلة، بدون ان يفكروا في الجلوس دبلوماسيا مع اركان الحكومة العراقية، لإيجاد حل للمعضلة التي لا ينبغي ان تصل معها الامور الى القصف والتدمير. وإنهم يقطعون ماء النهر وكأن لا مواثيق دولية تحدد تصرف الدول بالمياه التي تنبع او تمر بأراضيها، وكأنها دولة لا علاقة لها بالأمم المتحدة ومواثيقها.
ثم إنهم يفتحون الباب أمام من سببوا مشاكل للحكومة العراقية، ولا تكتفي بذلك بل تتشدد لهم غير عابئة بعلاقات حسن الجوار مع العراق. فحتى لو كان طارق الهاشمي بريئا من كل ما نسب إليه، ألم يكن من الأوفق أن تقوم الحكومة التركية بإرسال مندوب عنها لرئاسة وزرائنا، لمحاولة تنقية الأجواء ولعب دور الوساطة و"لخاطرنة"؟
أتفق مع المالكي في ان اي دولة تريد ان تقيم علاقة مع العراق، فيجب ان تكون علاقتها تلك عبر بوابة العراق الشرعية، وليس عبر النوافذ والابواب الخلفية.
يصرح مسؤول كردي رفيع المستوى قائلا ان وزير خارجية تركيا داود اوغلو زار كردستان العراق بتأشيرة دخول عراقية للشخصيات الدبلوماسية، ولم تحدد له الحكومة زيارة مدينة دون اخرى، ونحن نعتبر كركوك مدينة عراقية حالها حال المدن الاخرى، ولا مبرر لبغداد لخلق المشاكل حول هذه الزيارة، وهذا نهج خاطئ من قبل بغداد، ونحن نسأل: لماذا لا يحق له زيارة كركوك؟
هذا التصريح جاء على خلفية زيارة قام بها أوغلو في تموز الماضي إلى كركوك، قادما من أربيل، وذلك من دون موافقة السلطات الاتحادية العراقية.
تحملوني قليلا ولنطرح على المسؤول الكردي الموقر عددا من الاسئلة، لعلها تبين موضع الخطأ:
هل كركوك تابعة لإقليم كردستان؟ هل يحق لأي مسؤول أجنبي ان يدخل الى العراق عبر كردستان، ويذهب الى الحلة – على سبيل المثال – من دون موافقة الحكومة المركزية؟ لماذا قامت حكومة الاقليم بالقاء القبض على 3 او اكثر من السياح الالمان الذين دخلوا الى كردستان العراق عبر تركيا، بدون تأشيرات دخول؟ وان وجد الاقليم ان مسألة القاء القبض على السياح الالمان امر طبيعي وقانوني، لانهم دخلوا البلاد عبر ما يصطلح عليه بالعامية باسم (القجغ)، ألم يكن من الاجدر ان يلقى القبض على كل من يدخل العراق من دون تأشيرة رسمية صادرة عن المركز؟
سأل المسؤول الكردي "لماذا لا يحق لاوغلو زيارة كركوك"؟ والجواب بسيط، إذ أن أوغلو والسياح الالمان تجري عليهم احكام القانون العراقي نفسه، من دون تفريق. لكن السؤال الأهم هنا يقول: هل يقصف الأتراك أهالي الديوانية والهاشمية وسوق الشيوخ وعين التمر والأخيضر، أم أن القرى المهدمة فوق رؤوس أهلها كردية بحتة؟ وما حكاية الكيل بمائة مكيال؟ وكيف ترحبون بأرفع المسؤولين الأتراك، وبعض ممن قصفت قراهم ما يزالون يبيتون في الخيام؟ ترى "ماكو حوبة للدم الكردي؟"، أم أن المصالح وغيرها قد أعمت البصر والبصيرة؟
المشكلة تكمن في ان الاتراك انتجوا مسلسلات تاريخية، وصدقوا أن حكامهم سلاطين ونسوا ان "سليمان ابو حريم السلطان"، قد قضى نحبه قبل اكثر من 500 عام، والمشكلة الاكبر ان بعض ساسة العراق ما زالوا يعيشون أجواء "الحرملك" تلك ايضا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق