الثلاثاء، 26 أبريل 2011


قصة قصيرة
ميادة العسكري
قصة قصيرة

استيقظت على شمس مريضة تماما ..
للحظة نظرت حولها محاولة ان تتذكر اليوم ..انه الاربعاء ..قالت بسم الله ونزلت ببطء من مكانها ..كان النعاس لا يزال يغلفها بدفء لا علاقة له بالمكان البارد كبرودة القبور..
القت نظرة الى محمولها ..وجدت ثلاث رسائل .. اثنان منهما حملت نفس الفحوي "مشتاق لك" .. اذن لم تكن تحلم .. لا بد انه هو، هو الذي ارسل لها رسالتين من رقم غريب .. وهو الذي طلبها فجرا ..
كانت تحدس انه قطعها عنه رغم انه كان يترك لها رسالة يومية على بريدها ..صباح الخير .. تصبحين على خير ..وان تحمست لرده وكتبت له اسطر بلهاء تصف بها مشاعرها نحوه اجابها بكلمات مقتضبة يبدأها بكلمة روحي او حياتي التي كانت ترسلها مباشرة الى القطب الشمالي من برودتها وفراغها من اي نبض..
لم تكن تستطيع ان تلومه على برودة مشاعره .. فهي بعيدة عنه بحكم عملها ..والحب لا يتنفس الا عبر المباشر، اما حب المسافات البعيدة فهو اقرب ما يكون الى الطعام المسلوق الخالي من الملح والبهجة ..
**
التقيا بعد معركة كبيرة.. اسلحتها كلمات جارحة واتهامات وقلق كبير .. قررت ان تواجهه وفعلت .. حاصرته الى ان قبل الجلوس والاستماع لها ..خرجت هي من المواجهة وقد غرقت لما فوق انفها ولها به .. وخرج هو بعلامة استفهام كبيرة.. من هي هذه المخلوقة التي ساقتها الاقدار في دربه ولماذا هذا الاصرار على المطاولة في قصة انتهت بسلام بعد خلاف شديد؟
**
كان الوقت صباحا واجتماعات العمل لا تنتهي، وضعت امامها مطبوعات للمراجعة والقراءة لما سيتم الحديث حوله ..ومن بين طيات مطبوعات تتسم بجدية عالية في محتواها، اطلت مجلة امريكية ترفيهية تتحدث عن نجوم السينما واهل الفن في العالم الغربي.. استغربت هي من وجود المجلة بين تلك المطبوعات وراحت تقلب صفحاتها .. وتوقفت عند موضوع جذبها عنوانه : الخط الفاصل ما بين الحب والكراهية يتجه نحو الحب العاصف ..
اخذها العنوان تماما ونست كل من حولها ..
كتبت له .. الامريكان يقولون ..الحب يولد عاصفا بعد الخلاف ..
رد عليها عبر رسالة .. سبقناهم بهذه .. فما من حب الا بعد عداوة ..
**
اختفى ..
تبخر ..
الا ان الاتفاق القائم بينهما هو ان لا تسأل عنه عند أحد ابدا ..وان لا يسأل عنها حتى لو صارت غبارا..
غبار؟؟؟
غبار من ماض يداعب خيالها وانفها وكل حواسها .. بين الكرى واليقظة ..
كان مدرج الفيزياء مصب للشمس في مدرستها .. وكانت النوافذ العالية تحاذي اسفل كل رحلة ..
في الشتاء، كانت الغرفة تتحول الى قطعة من دفء الجنة .. عكس الصيف تماما .. الا ان الامريكان، اصحاب المدرسة، لا يستمعون الى الشكاوى، فعندهم كل شيء محسوب ..وما ان يقترب الصيف، كان درس الفيزياء يرسلها الى عالم يمتزج به الخيال مع الواقع بين سخونة الجو والهواء الذي كان يتسلل عبر النوافذ العالية .. كانت الاولى دائما في هذا الصف بالذات لانها كانت تشعر بود طفولي نحو مدرس المادة .. ابراهيم الشيخ، رجل بسمرة داكنة ولكنة بصراوية غريبة على مسامعها.. وكان الرجل يعتبر كل البنات بناته .. وربما كان ميلها اليه نابع من انه يذكرها بذكاء والدها من ناحية ولانه كان يناقشها ان حصلت على اية علامة اقل من العلامة النهائية .. وكانت تخجل من ان لا يكون مستوى اداؤها عنده ممتاز مع كل الجهد الذي كان يصبه على الجميع..
قال لها ذات صيف مع اقتراب الامتحانات النهائية حيث رائحة المسبح تداعب انفها وخيالها مع النوافذ المشرعة نحو بركة الماء الكبيرة التي ستقضي معظم ايام الاجازة فيها : لو حصلت فلانة على 75% لفرحت لها من كل قلبي .. وان حصلتِ انتِ على 99% لحزنت لعلامة واحدة تبددت منك .. خسارة عندما نتمكن من انجاز علامة كاملة ان نحصل اقل منها ولو بجزء يسير..
كان ابراهيم الشيخ يقف وظهره متجه نحو النوافذ، اما هي، فكانت تقف قبالته .. وعبر الشبابيك المفتوحة .. هبت نسمة ساخنة في اللحظة التي اتم الرجل فيها كلامه وهب الغبار اسفل النوافذ يتراقص بين اشعة الشمس نحو الاعلى .. ربت الرجل كتفها بأبوة واضحة وقال .. ابنتي ستكون الاولى في صفي دائما...
ومع جملته تلك، خرج من المختبر .. اما هي فقد تسمرت في مكانها تنظر الى الغبار المتعلق باشعة الشمس ..
**
انا الغبار وانت اشعة شمس الله المصبوبة عبر نوافذي .. انت خيال لا يمكن ان امسك به ابدا .. كما هو حال شعاع الشمس المتخلل لغبار الغرفة تلك ..
**
وراحت في حلم يقظة، تبحث في زواياه عن وجهه، او اثر من كلامه في ايام مضت .. ايام اللولو ..
**
كانت تدرك تماما بانها كانت تسير على غيمة معه .. لا شيء ملموس في عالم حزنه .. والحب في افضل حالاته اعمى .. فكيف في مثل حاله الذي كان يسير بها نحو الشط ويتركها هناك ويختفي بدون مقدمات..
فلو انها جمعت كل لحظاتهم سوية .. كلها .. لما خرجت الا بطرف واهي عنه ..
اما هي، فقد كانت تحب الحب فيه كما لم تخبره في حياتها .. كانت غير قادرة اساسا ان تكبت فرحتها به ..وربما في غمرة مشاعرها ، نست ان تلتفت اليه ..
**
رن هاتفها ووجدت رقم مرسل تلك الرسالة .. انزلق قلبها من مكانه وتناثر على صفحة الارض وتهشم الى الملايين من القطع، كل قطعة منه تدوي بنبض حاد ..
اجابت .. نعم ؟
قال محدثها .. اسف اختي العزيزة، يبدو اني ارسلت عددا من الرسائل الى هذا المحمول خطاءا، سامحيني ..
**
ابتسمت عبر دموعها .. لم تكن الرسائل منه .. فهو قد لاذ بالاختفاء .. الى اجل غير مسمى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق