الأربعاء، 28 مارس 2012






فن صناعة الطغاة

ميادة العسكري


ابيات قرأتها لشاعر شعبي لم اوفق في معرفة اسمه، يقول ..

آنا اشكيلك جروحي شلون فرعن
وقلبي اللي بغيابك عليّ فرعن
اذا حكمك وياي بحكم فرعن
اسألك، منهو الجاب فرعون علينا 

وارد على السائل ، بالتأكيد، نحن من جلب فرعون بأيدينا ونصبناه وكيلا وجعلنا منه ملكا ودكتاتورا حتى صدق نفسه وراح يعيث بالارض فساداً

التاريخ يشهد أنه لم يأت ديكتاتور من فراغ .. 
الطغيان ليس غريزة متأصلة في النفس، وان لم تجد الجو المناسب الذي يسمح لها بالنمو والتعاظم، فهي تبقى في حالة من الردع الطبيعي الموجود في دواخلنا جميعا.
بعيد عن الشرق الاوسط بكل مفرداته، باستثناء بعض دول مجلس التعاون الخليجي، والتي يأنف الحكام فيها ان يتحولوا الى الهة مثل الامارات، واقولها بصدق ان امرائهم، يسيرون بين الناس ، في الشوارع، بدون حماية، فالناس حمايتهم، وما اكثر المرات التي رأيت بها حكامهم في اماكن عامة يقودون سياراتهم في الزحام ويسيرون في المولات ويزورون الناس في بيوتهم ويفترشون الارض ويتناولون الطعام مع مضيفهم مهما كانت بساطة الحال بادية على المكان. استثنيت هؤلاء، وانا اعرف ان 174 جنسية تعيش تحت سماء الامارات تترحم على زايد، كلما جاء ذكره وتتمنى الخير لمن جلس بعده، حتى يكاد منظر سمو الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان وسمو الشيخ محمد بن راشد آل نهيان بين الناس امر طبيعي، فلا راينا من يصرخ رياء بالروح بالدم نفديك يا فلان، ولا راينا من يسفك دمه ليكتب اسماء حسنى للشيخ او لاحد من انجاله. بل على العكس من ذلك، لو فعلها احدهم لاستهجنه القريب قبل الوافد، فالمعيار هو حسن اداء العمل، والاخلاص في اتمام المسؤولية المناطة ب"س" او "ص" من الناس.
بعيد عن الشرق الاوسط، في الدول المتقدمة صناعيا وحضاريا، لم نجد الا عدد قليل من امثلة الطغاة السافرين الذين يسيرون على رقاب الناس عندنا.
ادولف هتلر كان واحد منهم، وموسوليني كان الاخر.
ليس لهذا من تفسير سوى ان التقدم الذي حصلت عليه تلك الدول لم يكن مقصورا على نخبة او فئة قليلة وانما كان الخير عميما لان الوعي الذي يصاحب التقدم هو الذي يقطع الطريق على كل احتمالات تسرب الطغاة الى سدة الحكم .
اما طغاتنا فنراهم ملتصقين في تلابيب عروشهم !! فاذا قرر احدهم بنفسه ان يتنحى مثل عبد الناصر عندما صعد دم الحياء الى وجهه وقرر ان يتنحى بعد ما اسمته السلطات المصرية "بنكسة 5 حزيران 1967" والتي كانت في الواقع فضيحة وليست نكسة، ماذا حصل؟ خرج المصريون الى الشوارع وصاروا يلطمون ويندبون طاغية من الطغاة واعادوه رغما عنه وعنهم الى كرسيه..

نحن من نصنع الطغاة،  فالطاغية لا يولد من العدم وانما من رحم الجهل والتخلف. وما الطغيان الا شكل من اشكال اعادة انتاج التخلف في النظام السياسي، والحاكم المستبد هو من يزيد التخلف رسوخا بقوة الطغيان واستخدام سلطته المطلقة لقتل الحرية واي امكانية حقيقة للتقدم او التطور. 

نحن من نصنع الطغاة فلماذا نشتكي؟
لنا حق في ان نشتكي اذا لم نسهم في انشاء الطاغية. ولكن ان كنا نحن من نصب التماثيل، ورسم جداريات "العزيز انت"، ونقترح على الطاغية ان يطلق تمثاله في مدار الارض، فكيف لنا ان نشتكي، ان تحول هذا الحاكم الى "طنطل" وصار يدوس الجماجم ببسطاله؟
كيف لنا ان نشتكي اذا ما ادخلنا حرب اثر اخرى ولم نمنعه ولا وقفنا ضده؟ بل اذكر شاعر شعبي من كربلاء في احدى المهرجانات الشعبية وهو يصدح قائلا
لا ما ناكل
لا ما نشرب
لا ما نلبس
بس انريد صدام حسين

وكان ذلك في أعتى سنين الحرب، وزيد الماي على "جدر" الحرب يابو حلا، ولا تهتم..
كلنا مشاريع شهادة في سبيلك يا بو بيريه سوده ، وجفنا يلاوي الموت ونضحك، ونرقص على اكتاف الموت لعيون ابو رغودة
من الطبيعي بمكان ان يصاب صديم بجنون العظمة. والواقع، ان اي حاكم، اصله رديء وواطيء مثل صدام ، لا بد ان تكبر المسالة في راسه، ليصبح جلادا وطاغية
لنتعلم فن تحجيم القادة ووضعهم امام مسؤولياتهم الحقيقية ومحاسبتهم امام اللجان البرلمانية
عوضا عن تحولنا الى خرفان، يسوقها الطاغية الى المجزرة، متى ما طاب له ذلك ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق